teeb_baghdad
عدد الرسائل : 435 تاريخ التسجيل : 03/05/2008
| موضوع: مقطع 2 من القصة المجوسية واللله حلوة اقروهة الأربعاء مايو 07, 2008 4:14 pm | |
| لما توقف المطر وأمتلأ الجو بتلك الرائحة التي لا تعبّر عنها أية كلمة في الكون ، انتفضت ، ثم وجدت نفسي أمشي دون ارادة. درت حول الفندق . توقفت عند شجرة الصنوبر الكبيرة كانت القطرات الأخيرة المتجمعة على أوراقها الابرية تنسكب بنعومة حادة . رفعت وجهي لأتلقى حبات المطر ، وكدت أبكي.
في وقت ما سمعت لغطاً ينمو حولي بسرعة . انتبهت فجأة ، وقرّرت بغموض شيئاً, انزلقت الى صالة الفندق الواسعة ، ودون تردّد أندفعت الى الركن البعيد وجلست . كانت ثلاث أو أربع موائد بيننا ، أثنان يجلسان على المائدة المحاذية لها . كان أحدهما يحجب قسماً كبيراً من جسدها، أما رأسها ، أذا رفعته الى أعلى قليلاً ، فكان يظهر كجبل الثلج : ساطعاً متورداً. هل كانت تتابعني لما دخلت ؟ غيّرت جلستها وأصبحت بمواجهتي الآن ؟ اجتاحني دبيب أصم ، وبعد ذلك شعرت بالرغبة في أن ألمس شيئاً مّرت عليه يداها، وفي النهاية سيطرت عليّ حالة من التلاشي والحزن. أختلطت أصوات موسيقى قديمة بالدخان ، بأقداح فارغة ومتروكة . لم أعد قادراً أن أفعل شيئاً ، أمّا كأس الكونياك الذي وضعه الجرسون أمامي ، فكان نتيجة بلاهة ورغبة آلية ان لا أظل هكذا. كنت أتألم . لا ، ان شيئاً آخر يموج في صدري ، ربما رغبة البكاء . اضحكوا لا يهمني. كان زوجها يجلس الى جانبها ، أمّا الصغيران فكانا يلعبان حولهما .. كان الزوج صامتاً ، ينظر حواليه بتثاقل وسأم . قلت في نفسي : لماذا يرتمي هكذا ؟ ألا يقول لها كلمة؟ ألا يتمطّى؟ وبحقد مجنون أضفت: أيها الرجل الذي لا يقوى على السعادة، اشتمها ، أمسك يدها ، تطلع في عينيها.. اما ان تبقى مصلوباً كالجثة ، فهذا لايغافره أحد . لا أعرف لماذا لم أحتمل . وجدت نفسي أغادر القاعة بعصبية . عند الباب الدوّار اصطدمت برجل . امتلأت خجلاً. تصورت البلاهة التي تنزف من وجهي أكثر من أن يحتملها أحد ، وتصورت عيونها خيوطاً حريرية تشّدني . هربت من نظراتها . لما رفعت وجهي لأعتذر ، كانت تضحك تلك الضحكة الصغيرة التي تشبه المغفرة. اضحكوا . تقولون مراهقة؟ ربما. كنت في الثلاثين . كنت في المائة . كنت كبيراً ، وكنت صغيراً ، وكانت لي علاقات. منذ ثلاث سنين أنا وميرا لا نفترق . تخاصمنا كثيراً ، ولكن رضينا بعدد المرات التي تخاصمنا . غفرت لميرا الكثير ، لكنها غفرت لي أكثر . وميرا التي أحدثكم عنها شقراء ، طويلة ، لها عينان بلون الكستناء . أمّا جسمها فكان ساحراً لدرجة ان أي انسان رأها تسير معي حسدني ، وربما شتمها في سره ، لكن ميرا لم تعبأ بشيء . كانت عالماً غريباً ، وكنت أحبها لغرابتها . كانت تحب الرياضة والشعر ، ولم تكن تتحدث الاّ عن ذلك . وقد لامتني مرات كثيرة لأّني أهمل نفسي هكذا ، وتنبأت أني سأموت قبل الأربعين ، ولما مرضت ذات مرة ، خشيت عليّ كثيراً وظلّت تبكي فوق رأسي ، حتى داخلني الشك ان موتي أصبح وشيكاً، لكن لما شفيت وتبين ان ماكنت اشكو منه مجرد عارض يصيب معظم الناس ، لم تسلم ، وظلت تلومني ، ولا تتوقف عن توجيه الكلمات القاسية ، مشيرة الى الصفرة في عيني والى بروز عضلات الرقبة وأكّدت اني "مصاب بالغدد والطبيب لا يدرك ذلك" أمّا عندما قرّرت السفر الى الجبل للراحة ، فلم أر في عينيها ضجراً او احتجاجاً ، ولا أخطيء اذا قلت انها فرحت لهذا القرار الذي "سيكون له تأثير مفيد على صحّتي ، خاصة اذا مارست الرياضة ، أية رياضة ، وكنت بعيداً عن جو المدينة الخانق ، الذي يسبّب السرطان بكل تأكيد" لم تكتف ميرا بذلك ، حضّرت لي أنواعاً من الأغذية ((المفيدة والضرورية)). وفي طريقنا الى محطة القطار أصّرت أن تشتري لي بطيخة خضراء كبيرة ، قالت : وهي تشير اليها : قلبي كبير هكذا ، وقد تعبت كثيراً بنقل هذه البطيخة من قطار لآخر ، ثم بنقلها الى الباص ، لا تستغربوا اذا قلت لكم ان البطيخة اللعينة انزلقت من بين يدي وانفلقت عند باب الفندق تماماً وسبّبت لي احراجاً ، ورأيت ضحكاً مكتوماً في عيون الذين كانوا حولي . كنت خارجاً لتوي من المرض . وفكرة السفر الى الجبل عنت لي هكذا ، أمّا ميرا فقد أصّرت ان "النقاهة ضرورية ، أنهّا من العلاج" واستغربت كثيراً أن الطبيب لم يشر عليّ بذلك. لم أكن أعرف ميرا وحدها . كنت في نفس الوقت على علاقة مع باولا . وباولا امرأة من نوع آخر : بسيطة ، صريحة ، تكره الموسيقى الحزينةوتكره الفلسفة (باولا تدرس الفلسفة). تدخن بشراهة ، ويظهر ذلك بوضوح من أعقاب السجائر الملوثة بالروج في جميع أنحاء الغرفة والحمام . كانت باولا تهوى الشرب لدرجة السكر ثم البكاء ، وكنا دائماً نقضي وقتاً شديد الروعة والجمال والحزن. وقبل ميرا وقبل باولا ، باولا ذات الصدر الكبير والأثداء الصلبة ، والتي لايمكن ان انسى رائحتها اللذيذة . قبل هاتين المرأتين ، وبعدهما عرفت نساء . لكن في ذلك الصيف الملعون تحوّلت الى أنسان آخر . ولو ان احد رآني أقف تحت الشرفة وأرقب ، من وراء الزجاج ، العالم السحري الذي تدفق عليّ فجأة ، لو ان أحداً رآني ، وقد تهدلت عضلاتي وتحولت الى بندول ، لقال ان جنوناً من نوع ما يسيطر عليّ. مراهق ؟ نعم . أتحداكم ان تقولوا أني لم أكن كذلك . واذا أردتم ان تقولوا شيئاً آخر عن الحرمان فسوف اخطئون كثيراً. لم أكن أتنقل بين النساء كفراشة ، لكن لم أكن محروماً. كنت أمسك الفخذ ، بثقله الزاهي ، بين يدي وأعزه لتمتللىء روحي بنشوة الامتلاك والظفر , وكانت يداي تتسللان ، مثل أفعى ، الى الصدر ، ، وهناك أترك اليدين تحومان فوق النهدين ، وراء الظهر ، أتركهما تهطبطان الى الارداف وأصرخ في داخلي بصوت يشبه فحيح الحية : أشبع ، يجب أن تشبع حتى التخمة. ولكن اذا وجدت بينكم حكيم أعور ، له لحية تشبه خيوط العنكبوت ، فسوف يقول: أن حالة مثل هذه تعود بأصولها الى أيام الطفولة ، أنه الحرمان ، الحرمان من عطف الأم . نعم ماتت أمي لما كنت صغيراً، ولكن هذا الحكيم الذي يفتح فمه كضفدعة ليغرق الناس بكلمات كبيرة وغامضة يفتقر الى شيء أساسي يكون جوهر الانسان والعلاقة الجنسية ، يفتقر الى الحب. الحنان . ان أفقد أمي ولم يتجاوز عمري السادسة . أن أهيم في الدنيا لاأعرف لماذا والى متى، وأعيش على كل شيء ماض ، حتى لو كان مجرد زمن أعمى ، وفي حالات معينة مجرد أحلام. __________________ تحياتي والبقية الايام الجاية ان شاء الله | |
|
mostafa
عدد الرسائل : 491 العمر : 39 الموقع : لو بالعراق لو بالمريخ ممتأكد تاريخ التسجيل : 05/05/2008
| موضوع: رد: مقطع 2 من القصة المجوسية واللله حلوة اقروهة الأربعاء مايو 07, 2008 8:39 pm | |
| | |
|
sus
عدد الرسائل : 611 العمر : 35 الموقع : هياني تاريخ التسجيل : 03/05/2008
| موضوع: رد: مقطع 2 من القصة المجوسية واللله حلوة اقروهة الخميس مايو 08, 2008 6:49 pm | |
| | |
|
teeb_baghdad
عدد الرسائل : 435 تاريخ التسجيل : 03/05/2008
| |