بغداد ـ من بيتر جراف: تقول هيلاري كلينتون وباراك أوباما المتنافسان للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الامريكية انهما يريدان سحب قوات بلادهما من العراق في أسرع وقت ممكن.. ويقول الجمهوري جون مكين انه سيبقيها في العراق طالما اقتضت الضرورة. وقد يكون الامر مختلفا بعض الشيء علي أرض الواقع في العراق.
قال جيرد نومان استاذ سياسات الشرق الاوسط في جامعة اكستر البريطانية عن المرشحين الثلاثة انهم في الحقيقة ليسوا مختلفين عن بعضهم الي هذا الحد بغض النظر عما يقولون .
واستطرد قائلا الجميع يريد أن يري انسحابا وألا يري التزاما أمريكيا طويل الأمد يتجاوز النوع العادي لاتفاقيات المساعدات القائمة بين الولايات المتحدة وعدد كبير من الدول في أنحاء العالم .
وقد يكون زعماء العراق الذين تدعمهم الولايات المتحدة هم الاكثر تهديدا من جراء أي انسحاب سريع للقوات الامريكية. لكنهم يقولون انهم ليسوا منزعجين من احتمال وصول رئيس ديمقراطي لسدة الرئاسة بالبيت الابيض.
وقال هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي لرويترز أيا كان القادم للبيت الابيض فسيكون هناك تعديل في الاستراتيجية.. تعديل وليس تغييرا جذريا أو افتراقا كاملا عما تم استثماره هنا .
وتابع قائلا ان حجم القوات مسألة سيقررها القادة الميدانيون ستكون عملية موجهة بالظروف وليس بوعد الناخبين .
وقال علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية ان العراقيين مستعدون حتي لقبول الجدول الزمني الذي وضعه أوباما لسحب القوات وهو الاكثر صراحة في التعهد بسحب كل القوات بحلول عام 2010 باستثناء قوة صغيرة لمحاربة الارهاب. وقال لرويترز اذا كان الانسحاب منظما ومتفقا عليه فانه لن يمثل أي مشكلة عندئذ .
وأعداد القوات الامريكية تتراجع بالفعل وليس من المرجح أن تعود الي مستوي الزيادة في العام الماضي للقوات الاضافية. فالجيش ومشاة البحرية الامريكيان وصلا الي أقصي درجة. ولواشنطن الان 160 ألف جندي في العراق وسينخفض العدد الي 140 ألفا بحلول منتصف تموز (يوليو) عندما تعود خمسة ألوية من بين 20 لواء مقاتلا للبلاد. وقال الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الامريكية في العراق انه لن يبدأ التفكير في سحب مزيد من القوات الا في ايلول (سبتمبر) القادم.
وحتي بعد عودة القوات الاضافية فسيظل بالعراق 15 لواء مقاتلا بالاضافة الي ما بين لواءين وثلاثة ألوية في أفغانستان. ويقول خبراء عسكريون ان واشنطن تحتاج الي خفض قواتها في العراق الي حوالي 12 لواء لتوفير تدريب وراحة كافيين للجنود. وقال الميجر جنرال المتقاعد روبرت سكيلز قائد كلية الحرب الامريكية السابق لمجلس الشيوخ في واشنطن هذا الشهر بغض النظر عن الاستراتيجية أو من سيكون في الرئاسة سننسحب مدفوعين فقط بالظروف في الجيش .
واستطرد قائلا نقطة الخلاف الوحيدة هي مدي السرعة في سحب القوات .
وكانت الخطة العسكرية الامريكية في العراق تقضي دائما بتسليم الاراضي تدريجيا للقوات العراقية وانسحاب القوات الامريكية الي دور مراقب حيث يمكنهم تقديم مستشارين وتعزيز ودعم جوي لكنها لا تشارك في الدوريات اليومية. وتم تسليم نصف محافظات العراق وعددها الاجمالي 18 محافظة بما في ذلك جنوب العراق الشيعي والشمال الكردي حيث كان الوجود الامريكي صغيرا دائما. ويقول القادة في مناطق السنة العرب حيث القوات الامريكية أكثر نشاطا انهم يريدون المضي قدما في تسليم الاراضي. والانبار التي كانت أكثر محافظات العراق عنفا قد تكون قريبا أول محافظة تسكنها أغلبية من السنة العرب تسلم للعراقيين.
وقال رئيس هيئة أركان القوات الامريكية في بغداد لـ رويترز هذا الاسبوع ان القادة يأملون في تسليم السيطرة علي العاصمة العراقية نفسها للعراقيين في غضون عام تقريبا. ورغم أن معظم العراق أصبح أقل عنفا عنه قبل عام فهناك قدر كبير من المخاطر علي مدي الاشهر العشرة السابقة علي تولي القائد الاعلي للقوات (الرئيس الامريكي) المسؤولية. ومن المتوقع أن تشعل الانتخابات المحلية العراقية التي تجري في أول تشرين الاول (اكتوبر) القادم العنف بينما قد يتقاتل الاكراد والعرب من أجل السيطرة علي مدينة كركوك النفطية الشمالية المتنازع عليها. وكان القادة العسكريون الامريكيون قادرين بدءا من النصف الثاني من عام 2007 علي رسم صورة مشجعة بجداول تظهر حدوث تراجع حاد في العنف لا سيما في أعمال القتل الطائفية.
لكن الاسابيع العديدة الماضية شهدت تراجعا في ذلك الاتجاه بعد حملة شنتها الحكومة العراقية ضد ميليشيات شيعية في مدينة البصرة في جنوب العراق التي لا تخضع للقانون والتي أشعلت انتفاضة امتدت لجنوب العراق وبغداد.
وأقحم اسوأ اقتتال في عام تقريبا الحرب في قلب نقاش الانتخابات الرئاسية الامريكية وأثار تساؤلات حول مدي السرعة التي قد تسحب بها القوات الامريكية. وكان من الصعب علي ما يبدو اعتبار النتيجة الاولية جيدة بالنسبة للقوات العراقية التي فشلت في ابعاد المقاتلين عن الشوارع. وقال الجنرال بترايوس للكونغرس ان تخطيط العملية لم يكن مرضيا . وعزل العراق 1300 جندي ومن قوات الشرطة لرفضهم الاشتراك في القتال. لكن اذا كان القتال كشف عن أوجه ضعف في القوات الامريكية في العراق الا أنه أظهر أيضا تصور القادة الامريكيين والعراقيين لاضطلاع القوات الامريكية في المستقبل بدور مراقب أصغر.
ووقع معظم القتال في الجنوب الذي تسكنه أغلبية شيعية البعيد عن أماكن انتشار الجزء الاكبر للقوات الامريكية. واقتصرت المشاركة الامريكية بدرجة كبيرة علي وحدات القوات الخاصة والدعم الجوي الحربي. ولم تفعل القوة الغربية الرئيسية في الجنوب والمؤلفة من أربعة آلاف جندي بريطاني بالقرب من البصرة شيئا أكثر من اقامة عدد قليل من نقاط التفتيش واطلاق بعض نيران المدفعية. وحتي في بغداد حيث أعيد نشر وحدات من القوات البرية الامريكية علي مشارف أحياء شيعية مثل مدينة الصدر شهدت الوحدات العراقية أول تغيير كبير عن العمليات في الاعوام السابقة. ويقول الامريكيون ان العراقيين حققوا تطورات مهمة علي مستوي الامداد والتموين اذا دفعوا بنحو 6600 جندي اضافي الي البصرة بسرعة في عملية لم يكن من الممكن التفكير فيها قبل عام. ولكن ليس هناك من هو أكثر حذرا من القادة العسكريين أنفسهم في التنبؤ بحجم القوات الامريكية التي يمكنها أن تنسحب من العراق بسرعة وامان. والجدول الزمني الذي وضعه أوباما يتجاوز أفق ما يخططون له.
وقال مسؤول عسكري أمريكي كبير في بغداد 16 الي 18 شهرا من الان فان أحدا لن يقدم تقديرات بعيدة الي هذا الحد . وتابع قائلا الذين يميلون للنظر أبعد من اللازم فيما يتعلق بالعراق يتعرضون عادة للمفاجأة وبطريقة غير سارة .